حمار الشيخ-40-
رجولة
وهذا اليوم ضاع عليّ كما قال احدهم:
لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع عقد على عنق خالصة
ففي اثناء مسيري مبكرا للعمل، راعني نحيب امرأة تبكي، وتستنجد بصوت مرتفع
قرب بيت،فدبت النخوة بي، وقررت أن أنجدها فلعلها تتعرض لعملية اغتصاب أو
سرقة أو ما شابه ذلك، ولما وصلت المكان، فوجئت بزوجها ينهال عليها ضربا
"بخيزرانة"كتلك التي أنهال بها على رقبة أبي صابر، وتنطلق الشتائم من فمه
كالجزء المكشوف من وادي الديماس الذي ينطلق حاملا المياه السائبة من القدس
بشطريها عبر قريتي الوادعة، فأمسكت بالرجل بكل قواي وهدأت من روعه، بينما
انتحت زوجه المسكينة جانبا تلملم جراحها وآلامها ودموعها، وتنظر الى شعرها
الذي انتزعه زوجها من رأسها وهو معلق يداعبه الهواء على أشواك نبتة، فشرع
الرجل الزوج يشرح لي عن"اعوجاج" المرأة أيّ امرأة، وكيف لا يصلح هذا
"الاعوجاج"الا بالعصا، وان المرأة اذا لم تجد زوجا فحلا يعاقبها صباح مساء
فانها ستفعل العجائب، وأفاض في حديثه حتى وصل الى نتيجة مفادها "ان المرأة
كالحذاء تستطيع استبدالها متى شئت كما تستبدل الحذاء".
ولما سألته مازحا:كيف تسمح له رجولته العظيمة بأن ينام في حضن حذاء؟ وكيف
يقبل أن يعاشر حذاءا وينجب منه أطفالا؟ جن جنونه واتهمني بالانحراف زاعما
ان المسلسلات التلفزيونية قد أفسدت اخلاقي.
ولم يعطني فرصة كي أخبره بأنني لا اشاهد المسلسلات التلفزيونية، لأنني أعود
الى البيت مهدود الحيل من يوم عمل شاق، فأنام على غير هدى قبل أن أصلي
صلاة العشاء، فانصرفت غير راشد قبل أن تتحول "الطوشة بيني وبينه، بعد ان
قررت الذهاب الى بيت كبير عائلته لأروي له ما شاهدت كي يتدبر الأمر قبل
فوات الاوان.
وجلست امام كبير العائلة متهيبا كجلوس تلميذ امام مدرسه، وبعد أن استمع
للحادثة قال:بأن المرأة خطّاءة، والخطاؤون عقابهم واجب، وشتم من يدللون
بناتهم لأنهم لا يعدونهن للحياة الزوجية القادمة وقال:لا تنس يا ولدي خبرة
الأجيال عندما قالوا:"دلل ابنك يغنيك ودلل بنتك تخزيك" "وأن عار البنات
للمات" وأن المحظوظ هو من لم يرزقه الله البنات لأنه "موت وليتك من حسن
نيتك" فدارت في رأسي أفكار سوداوية كثيرة وخفت أن تموت ابنتيّ الغاليتين
وان بقيتا على قيد الحياة فان مستقبليهما مخيف ايضا.
فركبت حماري وانصرفت أيضا غير راشد، وأنا أترحم على من أورثونا وأد البنات.
وعجبت من رجولة الرجال كيف تظهر سطوتها على النساء، فحمدت الله لأنه خلقني
ذكرا كي أحمي نفسي من الجلد، وفي الطريق تذكرت ان أبا صابر كان يتعارك مع
الحمير فقط، ولم يحصل أن تعارك مع أتان، وهكذا هي اخلاقيات عالم الحيوان
باستثناء الجنس الانساني