البلاء يعم.. والرحمة تخص

:+:{راعية الحلال}:+:

البلاء يعم.. والرحمة تخص

حينما حذر الله الأمة من خطر الفتن وانتشار المنكر، بين أن العقوبة تكون عامة، ولا تقتصر على المسيئين وأصحاب المعاصي، ومن باشر الذنوب فقط، بل انها تطال الجميع، صاحب المنكر يعاقب على فعله، والآخرون على تقصيرهم وإقرارهم، حيث لم يحاربوا المنكر ولم يغيروا «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة..» يقول حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب. فالأمة التي تشيع فيها المعاصي والمظالم والمنكرات، ثم لا تجد من يحاربها ويعمل على إزالتها تستحق العقوبة جزاء سكوتها، ومثل ذلك كمثل الأوبئة والأمراض الفتاكة التي تنتشر بين الناس، بسبب الأقذار واهمال قواعد الصحة والنظافة، فإن هذه الأوبئة لا تصيب المتسببين والمتلبسين بها فقط، وإنما تشمل العدوى الجميع وتنتشر بين الناس عامة. وعندها لا تنفع الأمصال واللقاحات والتحصينات الا اذا حوصر المرض وفرض الحجر الصحي وقضي علىاسباب الفساد، وضربت بؤرة الجراثيم.
وعلاج المنكر في بدايته أيسر من مقاومته بعد انتشاره واستفحاله، والنار اذا لم تحاصر، تطاير شررها الى أبعد مما يتصور قصير النظر، والموقف السلبي تجاه المفسدين وأصحاب المنكر لا يحمي صاحبه ولا يفيده، بل انه سيكون ضمن دائرة الخطر، ولا ينفع الإنسان ولا يشفع له ان يتذرع ويتعلل بأن الشر بعيد عنه والفساد لا يقربه، فإن الشر يبدأ صغيرا ثم يسري في المجتمع ويستفحل، وعندها يستعصي علاجه وتصعب مقاومته، وقد يصل الخطر إليك ويصيبك في مقتل، وتكون أنت الضحية في احدى المراحل! ولنتذكر قصة الثيران الثلاثة، فإن فيها عبرة ودرسا، وقد استشهد بهذه القصة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فقد روي عنه انه لما رأى خلاف أصحابه وتخاذلهم تمثل بهذا المثل:
إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض! يعني إنما خذلت يوم خُذل عثمان، وحكاية هذا المثل أنهم قالوا: اصطحب اسد وثور أحمر وثور أبيض وثور اسود في أجمة (غابة) فقال الأسد للأحمر والأسود: هذا الأبيض يفضحنا بلونه ويطمع فينا من يقصدنا فلو تركتماني آكله أمنا فضيحة لونه! فأذنا له في ذلك فاكله، ثم قال للأحمر: هذا الأسود يخالف لوني ولونك ولو بقيت أنا وأنت ظنك من يراك أسداً مثلي، فدعني آكله! فسكت عنه فأكله ثم قال للثور الأحمر: لم يبق إلا أنا وأنت وأريد أن آكلك! فقال إن كنت فاعلا ولابد فدعني أصعد تلك الهضبة وأصيح ثلاثة أصوات! فقال: افعل ما تريد فصعد وصاح ثلاثة أصوات الا إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض، فجرت مثلا! ثم قال علي رضي الله تعالى عنه: الا إني وهنت يوم قتل عثمان يرفع بها صوته! ويضرب هذا المثل للرجل يفقد ناصره ويرزأ بأخيه فيلحقه الضيم من عدوه، ولذلك قالوا: تخاذل القوم فيما بينهم من امارات شؤمهم ودلائل شقائهم.
والفتن التي تصيب الامة إذا تقاعست عن واجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة ومتنوعة ومنها فقدان الأمن وتسلط الظلمة، وانقسام الأمة إلى شيع وأحزاب، والاعتزاز بالاعراق والقوميات، وكثرة المصائب والمحن، والقحط والأمراض، والفتنة إذا وقعت تشمل الصالح والفاسد والمحسن والمسيء «والبلاء يعم، والرحمة تخص» ثم في الآخرة يجازي الله المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
والهلاك العام منه ما يكون طهرة للمؤمنين، ومنه ما يكون نقمة للفاسقين.
جاء في صحيح مسلم عن زينب بنت جحش انها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، انهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم اذا كثر الخبث». وفي صحيح الترمذي: «ان الناس اذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب من عنده».
وعن حذيفة بن اليمان، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم.
وعن ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اذا ظهرت المعاصي في امتي، عمهم الله بعذاب من عنده». فقلت: يا رسول الله، اما فيهم اناس صالحون؟ قال: «بلى»، قالت: فكيف يصنع اولئك؟ قال: «يصيبهم ما اصاب الناس، ثم يصيرون الى مغفرة من الله ورضوان».
وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اذا ظهر السوء في الارض، انزل الله بأهل الارض بأسه». قالت: وفيهم اهل طاعة الله؟ قال: «نعم، ثم يصيرون الى رحمة الله».
ولو ان كل منكر عولج في بدايته وضرب في مهده لما استفحل الفساد، والسارق لم يصبح سارقاً الا لانه تدرج في السرقة، من سرقة الشيء الصغير والحقير الى ان اصبح سارقاً يسرق المبالغ الضخمة والاشياء الثمينة، والارصدة العالية، لان من حوله لم يمنعوه ويأخذوا على يديه، وكذلك الظالم لم يتماد في ظلمه الا لانه لم يجد من يمنعه من اول مرة ويقف في وجهه منذ البداية، ولعل في فرض دية القتل على العاقلة ما يشير الى هذا المعنى، فحينما يرى اقرباء القاتل وعصبته انهم سيتحملون جزءاً من الدية ويلزمون بدفع مبلغ من المال، فإنهم يبادرون الى منع من يهدد بالقتل ويمنعونه من تنفيذ تهديده ووعوده ويأخذون على يديه.
وقف ابو بكر رضي الله عنه، ذات يوم، فقال: ايها الناس انتم تقرأون هذه الآية: «يا ايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم»، وانكم تضعونها على غير موضعها، واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ان الناس اذا رأوا المنكر ولا يغيرونه، يوشك الله - عز وجل - ان يعمهم بعقابه».
ويقول صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم اعلاها، وبعضهم اسفلها. فكان الذين في اسفلها اذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو انا خرقنا خرقا في نصيبنا ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما ارادوا هلكوا جميعا، وان اخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعا».

:+:{فدوة الغاليه}:+:

:+:{راعية الحلال}:+: